تزامناً مع مساعٍ جديرة بالتقدير لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا و الهيئة القانونية الكردية في نقل و إيصال حقيقة الأوضاع في منطقة عفرين إلى المحكمة الجنائية الدولية ، و تحديداً ما يتعلق بالجرائم و الانتهاكات الكثيرة و الخطيرة التي يرتكبها الاحتلال التركي و الميليشيات المسلحة التابعة له هناك ، فقد رأينا من المفيد أن نتبادل بعض الآراء و وجهات النظر و الفائدة ,ولا سيما حول المدى الذي بامكاننا الوصول اليه في الاستفادة من هكذا خطوة ، اذا ما اخذنا بعين الاعتبار وجود عوائق كبيرة تحول دون عقد و منح الاختصاص والولاية لمحكمة الجنايات الدولية في قضايا الجرائم في عفرين .
لذلك سوف نلقي الضوء على بعض النقاط التي نرجو ان تكون الجهتان الكرديتان قد انتبهتا اليها و وضعتاها جيداً بعين الحسبان و الاعتبار كنقاط قانونية نراها هامة جداً و يجب إثارتها و الاستناد إليها .
فكما نعلم بدايةً بأن المحكمة الجنائية الدولية هي هيئة دولية مقرها لاهاي الهولندية ، تأسست في العام ٢٠٠٢ سنداً لنظام روما الاساسي ١٩٩٨ الذي بدوره جاء سندا لقرار من الجمعية العامة للامم المتحدة في العام ذاته .
وهي محكمة مستقلة بخلاف العدل الدولية التابعة للامم المتحدة ، و تختص بصورة اساسية في النظر بأربعة أنواع أو صنوف رئيسية من الجرائم و الانتهاكات الواردة في صكوك القانون الدولي و اعرافه و اجتهاداته و هي :
جرائم الحرب
جرائم الابادة الجماعية
الجرائم ضد الانسانية
جرائم الاعتداء او العدوان (غير مفعّلة)
حيث تدخل كل جريمة مرتكبة من تلك الجرائم بعد تاريخ ١/٧/٢٠٠٢ ضمن اختصاص المحكمة و صلاحية النظر فيها ، اذا كان الفرد المتهم بارتكابها ينتمي لدولة هي عضو صادق على نظام تإسيس المحكمة ، أو اذا كان مكان ارتكاب الجرم يتبع لسيادة دولة هي عضو في نظام المحكمة ، أو اذا احيلت قضية ارتكابها الى المحكمة من قبل مجلس الامن في حال انتفاء الشرطين السابقين ، او اذا قبلت الدولة من تلقاء نفسها بولاية المحكمة في محاكمة افراد ينتمون اليها . و كل ذلك بشرط أيضا أن يكون قد استُنفذت وسائل اللجوء الى المحاكم الوطنية او المحلية إو كان من غير الممكن او المحال لهذه الاخيرة أداء ذلك .
بعد عرض تلك اللمحة السريعة عن نظام المحكمة ، آن لنا أن نلتفت الى القضية أو مناسبة الخوض في هذا الموضوع أي عفرين ، ومن ثم تبيان العوائق و النقاط التي اسلفنا ذكرها .
فعفرين ... تلك المنطقة التي هي حسب النظام القانوني الدولي جزء او اقليم يتبع لسيادة دولة هي سوريا ، و التي هي ليست طرفا في نظام روما الاساسي للمحكمة .
بالمقابل هذا الاقليم محتل من قبل دولة هي ايضا ليست عضوا او طرفا في ذاك النظام و هي تركيا .
و الثابت ايضاً في السياق ذاته بأن أفراد تلك الدولة المحتلة مارسوا و لا زالوا يمارسون ليس صنفا واحدا من الجرائم السابق ذكرها فحسب ، بل الاصناف الاربعة معاً الى جانب جرائم اخرى كثيرة ، وكل ذلك لا يحتاج الى كثير عناء للوقوف على يقين ارتكابها .
و تبعاً لذلك ..يبدو لنا مما سبق أن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك الولاية أو الاختصاص و حق النظر في الجرائم المرتكبة في عفرين و ملاحقة و محاكمة المسؤولين الاتراك وصولا الى اردوغان تبعا لقواعد المسؤولية الجنائية الفردية و ايضا السوريين المتهمين بارتكاب تلك الجرائم ، نظرا لانتفاء أبرز الشروط ....
فلا الدولتان سوريا و تركيا خاضعتين لولاية المحكمة ، و لا من احالة من مجلس الامن بهذا الشأن .
لذلك و أمام ذلك العائق الكبير وقفت الجنايات الدولية و غيرها طيلة سنوات الحرب في سوريا عاجزة عن اخضاع ما يقع في هذه الدولة من جرائم لاختصاصها .
الى أن فتحت قضية الروهينغا في ميانمار أمام المحكمة و أيضا امام السوريين أصحاب المصلحة بدورهم ، ثغرة أو منفذاً قانونياً يمكن إن تُتاح و يُتاح عبره الاختصاص و الولاية للمحكمة .
فبموجب البند (أ) من الفقرة الثانية من المادة (١٢) من نظام روما الاساسي يمكن للمحكمة ملاحقة المتهمين بتهجير مجموعات من الروهينغا قسرياً الى بنغلادش ، من منطلق ان بنغلادش هي دولة عضو في نظام روما و هناك جرائم ضد الانسانية اكتملت عناصرها الاساسية على ارض بنغلادش ، ألا و هي تجاوز المهجرين قسريا الحدود و دخول بنغلادش ، بمعنى وصول الجريمة الى ارض بنغلادش، حتى ولو لم تكن ميانمار موقعة على نظام روما .
و بالتالي وجد السوريون و وجدت المنظمات الحقوقية في ذلك حالة مشابهة لحالهم لجهة تهجير النظام لعدد كبير من السوريين قسريا الى الاردن كدولة وحيدة متاخمة لسوريا هي طرف في نظام روما ، فتقدموا بدعاوى مماثلة للجنايات الدولية .
و لكن السؤال المطروح هنا ..كيف بالامكان الاستفادة من هذه الثغرة بالنسبة لعفرين امام غياب الحلول و حتى الحل الاردني فيها ؟
حقيقة و من خلال التمعن في المادة المشار اليها من مواد نظام روما و قراءتها قراءة قانونية دقيقة و ايضا في الاجتهاد الجنائي اعلاه ، يتبين بأنه يمكن التسلل عبر هذه المادة و التمسك بها و توظيفها لخدمة السوريين الذين لهم مصلحة في هكذا دعاوى عموما و لخدمة اهل عفرين بصورة خاصة .
حيث أن عددا لا بأس بهم ممن هجّرتهم تركيا قسريا من عفرين (جريمة ضد الانسانية و جريمة ابادة جماعية ) قد دفعهم ذاك التهجير الى قطع الحدود و البحار وصولا الى اليونان و غيرها من الدول مثل المانيا التي هي دول عضوة في نظام روما و مصادقة عليها ، و الأدلة كثيرة على ذلك ، حتى ان بعضا منهم قُتلوا برصاص حرس الحدود التركي و هم يعبرون الحدود الى تركيا و البعض الآخر ماتوا غرقاً بين اليونان و تركيا و البعض وصل .
و بالتالي يمكن التمسك بهذه الناحية القانونية و اثارتها .
على اية حال ..و حتى لو افترضنا جدلا بعدم جدوى و نجاح المرور عبر هذا المنفذ ، كون الاعتبار الغالب يكون للمصالح و السياسة اكثر من ارادة الاعتبارات القانونية ، و مع ذلك فإننا نرى يقينا بأن طرق باب الجنائية الدولية يبقي ايجابيا للغاية لعديد الاعتبارات ..اهمها :
من الممكن ان يدفع ذلك بالمحكمة الى احالة القضية (اي قضية عفرين ) الى مجلس الامن و الطلب منها بمنحها الولاية فيها ، و التي حتى لو فشلت في الحصول عليها ، يبقى ذلك امرا ذو اثر بالغ لجهة ما يمكن اعتباره نوعا من الضغط و الحرج السياسي و الاعلامي وسواه لتركيا ، اضافة لحرج المجتمع الدولي ذاته عموما ازاء تقاعسه عن مسؤولياته
كما يعتبر مجرد تحقيق اقل النتائج من هكذا مبادرة و في اسوأ الاحوال نصرا معنوياً على عالم متخاذل برمته ازاء قضية شعبٍ يتعرض لكل هذا الظلم و الاضطهاد .
تم بعونه
في ١٥/٣/٢٠١٩