مضمون رسالة الوقفة الإحتجاجية أمام ممثلية الأمم المتحدة في بون بخصوص عفرين

فيما يلي نص الرسالة التي تُليت أثناء الوقفة الإحتجاجية أمام ممثلية هيئة الأمم في بون و سُلمت مع ملف خاص مؤلف من  (٦٥ صفحة ) بتوثيقات بعض الجرائم و الانتهاكات في عفرين الى المنظمة الدولية .

سعادة السيّد أنطونيو مانويل غوتيريس :
الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة :
أتينا اليوم نخاطبكم و نتقدم لسعادتكم بمذكرتنا هذه نحن الجاليات الكوردستانية في عموم اوربا و بعضاً من منظّمات المجتمع المدني بمختلف نشاطاتها ، أتينا و الأمل يحدونا في أن تلقى حسن قبولكم و فائق عنايتكم  .
سعادة الأمين العام :
تعيش هيئة الأمم اليوم إختباراً حقيقياً غير مسبوق يهدد أكثر من أي وقت مضى مصداقيتها و غايات و أسباب وجودها و نشأتها  . لا سيما بعد سلسلة من حالات العجز المريب صراحةً في أداءها لمسؤولياتها إزاء ما يحدث في العالم من أزماتٍ و حروب و قضايا يتّسع نطاقها و تتفاقم آثارها و نتائجها الكارثية حيناً بعد حين .
فعفرين  مثالأ و التي هي مناسبة  رسالتنا هذه اليكم عاشت وتعيش اليوم واقعاً من العار أن يُذكر في صفحات تاريخ البشرية أنها عاشته في العام ٢٠١٨ أو في ظل هيئتكم و مواثيق و اعلانات و قوانين وعهود و اتفاقيات الحقوق و الحريّات  ، أو عاشته  بعد كل التجارب و التضحيات و المآسي و الحروب التي مرّ بها العالم و التي ما كانت حلّاً يوماً لقضيّة أو حق .
معالي الأمين العام :
الكل يعلم إلا من لا يريد ، بأن ّتركيا اجتاحت بجيشها و بالآلاف من عناصر الارتزاق و الشر و الإرهاب الذي يتهدّد العالم بأسره منطقة عفرين السورية و احتلتها بتاريخ ١٨/٣/٢٠١٨ ، و ذلك بعد قرابة شهرين من الإشتباكات العنيفة و الدامية التي شهدتها حملتها البربرية المسمّاة  (غصن الزيتون) ، حيث استعملت فيها مختلف صنوف الأسلحة و مارست عبرها جملة كبيرة من الجرائم و الفظائع ، مخترقة بذلك ليست القوانين الدولية الخاصة بالعسكريين و أسرى الحرب و شروط و قواعد معاملتهم فحسب بل خرقت و ضربت عرض الحائط كل قواعد و نصوص القانون الدولي الإنساني و القانون الدولي لحقوق الإنسان و مواثيق واعلانات وعهود تلك الحقوق و لا سيما تلك الخاصة منها و المتعلقة بإلتزامات حماية  وتأمين سلامة السكان المدنيين و أمنهم أثناء الحروب و ضمان سبل العيش الكريم لهم من مرافق و خدمات و غير ذلك .
و لعلّ آلاف الوثائق و الصور و الفيديوهات التي ضجّت بها الأرجاء و وسائل الإعلام أوضحت بعدها المطلق عن كل تلك الالتزامات .
( نرفق ملفّاً بتوثيقات بعض الجرائم و الانتهاكات في عفرين مثالاً)
السيد غوتيريس :
ما أن إحتلت تركيا عفرين و بسطت سيطرتها و نفوذها على كامل المنطقة ، مدينةّ و بلداتٍ و قرى ، حتى أطلقت يد المرتزقة الذين معها و هي تعلم يقيناً أيّ فكرٍ يحملون ، فعاثوا في المنطقة فساداً و إجراماً و صبوا جام حقدهم و تطرّفهم و فكرهم المريض على الأهالي في عفرين ، و ذلك منذ اليوم الأول من الإحتلال والذي سمّي بيوم الجراد و حتى لحظة كتابتنا هذه اليكم .
لقد استباح الاحتلال و مرتزقته عفرين بكل ما تعنيها الاستباحة من معنى .فسرقوا و نهبوا و سلبوا و قتلوا  و مارسوا الاختطاف و الإختفاء القسري و التعذيب و التهجير القسري و الابتزاز و التوطين و منعوا عودة النازحين .
ولم تمارس تركيا كل ذلك في الخفاء بل مارسته و بشكلٍ معلنٍ و مخططٍ و ممنهج و لغايات هي في منتهى الخبث و السوء ،لعلّ أهمها يتمثل في  ضرب المكونات السورية الدينية و العرقية و المذهبية وغيرها ببعضها و زرع فتنٍ و أحقاد و ضغائنٍ تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل ، بهدف تمرير مآربها الاستعمارية ، و التي يقيناً أخطرها هي رغبتها و استهدافها للكورد كمكون  تسعى تركيا لإبادتهم و تطهيرهم عرقيّا ، لا سيما اذا ما علمنا بأنهم أي الكورد يشكّلون أكثر من ٩٥% من سكان عفرين .
ولا نطلق تلك الأحكام جزافاً ولا نكيل الإتهامات عن عبث بل الصورة و الواقع على الأرض أبلغ برهان .
سعادة الأمين العام :
إن تركيا اليوم كدولة محتلة لجزء من أراضي دولة مجاورة هي سوريا ، و بصرف النظر عن دوافعها و غاياتها و أعذارها ، و بصرف النظر أيضاً عن إخلالها و خرقها لقوانين السيادة و القوانين التي تنظم العلاقات بين الدول و التي لا تهمّنا و تعنينا  بقدر ما يعنينا الجانب الإنساني لإلتزاماتها و مسؤولياتها المنصوص عنها و عليها في الاتفاقيات و المعاهدات و القوانين و المواثيق العالمية و لا سيما القانون الدولي الإنساني و القانون الدولي لحقوق الإنسان .
وقد جاءت تلك الالتزامات واضحة في تلك القوانين و لا سيما حول ما يخصّ مسؤولية المحتل في تأمين سبل العيش الكريم و الخدمات لسكان الأرض المحتلة كما أسلفنا الذكر .
إلا أن تركيا بعيدة كل البعد عن تلك المسؤولية ، و ترتكب مع المرتزقة التابعين لها جرائم تدخل معظمها ضمن جرائم اعتبرها القانون الدولي الإنساني جرائم حرب و جرائم ضد الانسانية و جرائم إبادة جماعية ، و تحديداً وفق ما ورد في نصوص و مواد اتفاقيتي لاهاي (١٨٩٩-١٩٠٧) و اتفاقيات جنيف الأربعة و خاصة اتفاقية جنيف الرابعة (١٩٤٩) و بروتوكوليها الملحقين (١٩٧٧) ، بالإضافة الى ما ورد في نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية (١٩٩٨) .
فجرائم إعتدائها على المدنيين و اعتقالهم تعسفيا و تعذيبهم و اقتيادهم الى جهات مجهولة ينطبق وصفها على صريح ما ورد في نظام روما الأساسي و لا سيما المادة السابعة منه و المتعلقة بالإختفاء القسري ، أو ما ورد في الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري ( المواد ١-٢-٧ مثالا).
أضف الى ذلك ارتكابها لجرائم التهجير القسري الممنهجة بحقّ السكان المحليين و طردهم من منازلهم و ممتلكاتهم ومنعهم منها و افراغ القرى و المناطق و ترحيلهم و استقدام آخرين في المقابل من مختلف مناطق سوريا و توطينهم بدلاً عنهم ، و أيضاً منع النازحين جراء الحرب من العودة الى بيوتهم و ممتلكاتهم و اغلاق المنافذ أمامهم ، و ذلك كله في خطوة غايتها التغيير الديموغرافي لعفرين و استهداف خصوصيتها الكردية ، و التي يمكن اعتبارها بلا شكّ أو التباس جرائم تطهيرٍ عرقيّ ودينيّ و إبادة جماعية لمجموعة عرقية هم الكورد و دينية تستهدف الايزيديين الكورد ، و تدخل بذلك الوصف تحت البنود التي ناقشتها و تناولتها القوانين الدولية و بالذات اتفاقية جنيف الرابعة ( المادة ٤٩ منها)، نظام روما الأساسي (المادة ٧ البند ١ فقرة د)، اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية التي اقرّتها الأمم المتحدة (١٩٤٨) ( المادة ٢) .
ناهيكم عن وقوع جرائم أخرى كثيرة و أعمال تخريب مبنّية على الحقد الفئوي  تطال كافة مرافق الحياة في عفرين ، من تدمير و إتلاف و حرق للمنازل و الممتلكات العامة و الخاصة و كل أسس الخدمة و البنى التحتية و الآثار والمزروعات و الشجر و الغابات و حرقها بصورة جعلت عفرين غارقة في الفوضى و عدم الإستقرار .
سعادة الأمين العام :
لعلّ ما سبق ذكره ما هو إلا إختصارٌ و صورةٌ موجزة عن حقيقة الأوضاع في عفرين و لغاية الدلالة فقط على حجم المعاناة ، و إن استمرار الحال و عدم تداركه و وضع حدٍّ له  ينذر بمصائب أكثر هولاً و كارثيةً تمتد آثارها الى أجل غير معلوم .
لذلك و من خلال كل ما سبق ذكره جئنا سعادتكم راجين من خلاكم المؤسسة الدولية النهوض بمسؤولياتها و التزاماتها فوراً و اتخاذا كافة التدابير و الاجراءات و بالسرعة القصوى لوضع حدّ للاستباحة و الإجرام الذي يحدث في عفرين و بحق أهلها و العمل بصورة أساس على :
● دعوة تركيا كدولة عضوة في المؤسسة الدولية الى احترام ميثاقها و الالتزام به عبر الوقف الفوري لانتهاكاتها و جرائمها هي و الفصائل الموالية لها و الانسحاب من عفرين فوراً.
● دعوة تركيا الى الإفراج الفوري عن كافة المختفين و المختطفين لديها و لدى الفصائل السورية التابعة لها و وقف الاختفاءات القسرية و الاعتداءات الجسدية وممارسات التعذيب و كافة مظاهر العنف بحق المدنيين .
● مطالبة تركيا الالتزام بمعاملة الأسرى والمحتجزين لديها ممن شاركوا في اعمال قتالية ضدها بموجب قوانين الحرب الدولية و القانون الدولي الانساني و لا سيما مواد اتفاقيات جنيف ذات الشأن .
● مطالبة تركيا بضمان العودة السالمة و الآمنة لكافة المدنيين النازحين و المهجّرين الى منازلهم و ممتلكاتهم و وقف ممارسات الإبتزاز و الترهيب بأشكالها و تأمين الحماية و سبل و مستلزمات العيش الكريم و الخدمات للسكان ، كون كل ذلك من التزامات دولة الاحتلال بموجب ميثاق جنيف الرابع 1949.
● الوقف الفوري لعمليات التوطين للعوائل العربية داخل عفرين و إخراج المستوطنين فوراً و تأمينهم في أماكن اخرى ريثما يتمكنون من العودة الى مناطقهم الأصلية .
● مطالبة تركيا بإفساح المجال لوسائل الإعلام و اللجان و المنظمات الدولية الانسانية و الإغاثية والحقوقية كافة و منظمات المجتمع المدني بدخول عفرين و ادخال كافة المستلزمات و المواد الإغاثية و تأمين الحماية و الضمانات الكافية للجهات المختصة و لجان تقصّي الحقائق لتقوم بنقل و توثيق الانتهاكات و الجرائم و التجاوزات كافة .
•● سعي الامم المتحدة عبر مؤسساتها و فروعها و بالتنسيق و التعاون مع محكمة الجنايات الدولية نحو فتح تحقيقات و محاكمات لملاحقة و معاقبة مرتكبي الجرائم و الانتهاكات في عفرين أيّاً كانت صفتهم و تعويض المتضررين عن تلك الجرائم.
● و الأهم من ذلك كله هو وضع عفرين تحت الإشراف و الحماية الدولية كونها تتعرض لابادة جماعية و تطهير عرقي و ديني ممنهج يستهدف مكوّنها الكوردي و الكورد الايزيديين فيها ، مع الإشارة إلى أن النظام السوري مساهم و متورّط أساسي الى جانب تركيا و المعارضة السورية في ذلك الأمر ولم تنهض بأي مسؤولية تجاه  جزء يتبع لسيادتها ، مما يستلزم كل ذلك الحق في طلب الحماية الدولية ريثما يتهيأ المناخ السياسي الكفيل بعودة الأمن و الاستقرار الى ربوع عفرين و يتمكّن أهلها من حكم نفسهم بنفسهم .
وتفضلوا بقبول فائق التقدير و الاحترام .
بون في 21/9/2018