فيما يلي مضمون الرسالة التي قدّمها مركز ليكولين للمفوضيّة السامية لحقوق الإنسان أثناء الاجتماع بممثليها في جنيف بتاريخ ٦/٨/٢٠١٨ .
علماً أنُ ليكولين سلُمت نسخ منها أيضا إلى كل من لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا و مركز Trial International السويسري و المعهد الاسكندنافي لحقوق الانسان .
المفّوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان سموّ الأمير زيد بن رعد الحسين المحترم :
نتقدّم إليكم برسالتنا هذه و كلّنا ثقة و رجاء في أن تنظروا مضمونها ببالغ العناية وشديد الحرص و الإحساس بالمسؤولية ، لا سيما و أننا نرى في المفوضية مقصد البؤساء و المظلومين في الأرض لما تنهض به من دورٍ بارزٍ و مشرّف في الكثير من قضايا الأمم و الشعوب عموماً و القضايا الإنسانية على وجه الخصوص ، نثق كثيرا في إرادة الخير التي تحملونها لهذا العالم و نثمّن عالياً دوركم و جهدكم هذا .
سعادة المفوّض :
جئناكم نحمل رسالةً تعبّر عن حال مئات الآلاف من السوريين ممّن يعيشون في بقعةٍ من التراب السوري ، ألا و هي عفرين بمدينتها و بلداتها و قراها .
تلك البقعة التي تعيش على مرأى من العالم أجمع مأساةً تفوق الوصف و كارثةً نعتبرها عاراً على جبين كل من ساهم و أوصل سورية عامةً لهذه الحال من الفوضى و الإقتتال و الدمار قصداً أو تقاعساً عن النهوض بمسؤولياته .
و يكفينا هنا أن نذكر لكم المسلّمات و البديهيات من الحقائق و الأمور على أرض الواقع في عفرين لنضعكم في صورةٍ وافية تلخّص بشاعة و خطورة الحال على تلك الرقعة الجغرافية .
فعفرين بدايةً و كما يعلم العالم بأسره تعيش كجزء يتبع لسيادة الدولة السورية واقع احتلال من طرف الدولة التركية منذ تاريخ ١٨/٣/٢٠١٨، ذلك اليوم الذي اجتاح فيه الجيش التركي و فصائل سورية مسلحة مرتزقة مدينة عفرين و أعلنت سيطرتها التامة عليها كهدف من أهداف حملتها العسكرية التي أطلقتها تحت ما سمي بعملية غصن الزيتون .
و بالتالي : هناك إحتلال من جانب دولة هي تركيا لجزء من أرض تتبع لسيادة دولة اخرى هي سوريا ، كواقع لا تنكره حتى تركيا ذاتها .
و سنداً لتلك البديهية هناك جملة بديهيات من المسؤوليات و الالتزامات تترتب على عاتق تركيا كدولة محتلة ، و مصدر تلك الالتزامات هي قوانين و اتفاقيات و عهود و مواثيق و إعلانات عالمية و أعراف تتصف بالسموّ و القدسيّة كونها تعبّر عن إرادةٍ و إجماع عالمي عليها حينما اتفقت عليها و اعتمدتها و تعهّدت التقيد و الالتزام بها و احترامها .
و السؤال الآن : هل تركيا كواحدة من تلك الدول تفي بتلك الالتزامات و القوانين الدولية ؟
الجواب : بالمطلق لا .
فتركيا و منذ اللحظة الأولى من دخولها الى عفرين ، دخلتها اجتياحاً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى في الهمجيّة و البربرية و روح الانتقام و الإبادة ، و كلنا يعلم أن كل إدّعاءٍ أو قول بأن تلك الممارسات في أغلبها ترتكب من جانب الفصائل السورية المسلحة و ليس من جانب الجيش التركي هو قولٌ يدعو الى السخرية و دليل جهلٍ بالقوانين .
فواجب الأمن و الحماية في منطقة ما محتلة هي مسؤولية سلطة الاحتلال في القانون الدولي ، و ليس لها أي عذر أو مبرر للتنصل من هذه المسؤولية بأي حالٍ من الأحوال ، و هذا ما نص عليه بوضوح لائحة لاهاي لعام ١٩٠٧ (المواد من ٤٢-٥٦ )و اتفاقية جنيف الرابعة ( المواد من ٢٧-٣٤)و من (٤٧-٧٨) إضافةً الى بعض أحكام البروتوكول الاضافي الأول و القانون الدولي الإنساني العرفي .
ذلك الواجب و الالتزام لسلطة الاحتلال في حماية السكان و ضمان أمنهم لا يلغيه أي شيء ، حتى الاتفاقيات بين سلطة الاحتلال و السلطات المحلية (المادة ٤٧ من اتفاقية جنيف الرابعة ) ، بل و أبعد من ذلك حيث لا يملك الأشخاص المحميين ذاتهم حق التنازل عن تلك الحماية ( المادة ٨ من اتفاقية جنيف الرابعة ١٩٤٩)
سموّ الأمير :
إن تركيا مارست منذ اليوم الأول من احتلالها سواءً مباشرة أو عبر فصائل سورية مسلحة مرتزقة موالية و تابعة لها أو تابعة لتابعها الآخر المسمُى با الائتلاف السوري المعارض مارست جملة كبيرة من الجرائم و الإنتهاكات و بمختلف صورها و حدّتها وصولاً الى أكثرها قساوةً و بشاعة ، من سرقةٍ و سلبٍ و نهبٍ و قتلٍ و تعذيبٍ و اعتداءاتٍ و تصفياتٍ جسدية و اختفاءات قسرية و تهجير قسري للسكان و تغيير ديموغرافي ممنهج و غيرها من الجرائم التي تندرج في أغلبها تحت ما يعتبره القانون الدولي الإنساني جرائم حرب و إبادة جماعية و جرائم ضد الإنسانية ( نرفق مع كتابنا هذا ملفّاً يحتوي جزءاً بسيطاً من تلك الجرائم و الانتهاكات ، و نتحمّل كامل المسؤولية بشأن صحة المعلومات الواردة فيه ، مع ضرورة الإشارة الى أن الخطورة و الترهيب تمنع وتحول دون توثيق الكثير من الانتهاكات و الجرائم )
اذاً هناك دولة احتلال لا تتعاطى بالمطلق مع الجزء المحتل و سكانه بمنطق القانون ، بل أطلقت يد العناصر المسلحة لتفعل ما تشاء ، أولئك العناصر الذين يحملون أفكار و أمراض و عقائد التطرّف و التشدد بأنواعه ، دينياً و مذهبيا و طائفياً و عرقيّاً و قوميا و غيره ، و يرون في المكوّن الكردي الذي ينتمي اليه الغالبية العظمى من سكان عفرين ، و في الديانة الإيزيدية التي يؤمن بها إخوة لنا في عفرين ، يرون فيهم كفاراً ملحدون إنفصاليون خونة و دمائهم مستباحة .
تلك الأفكار التي تغذّيها تركيا فيهم و تعمل على احياءها لاعتبارات و غايات عديدة لعلّ أهمها يتمثل في رغبتها إحداث شرخ اجتماعي و فتن وأحقاد عميقة بين مكونات المجتمع السوري من شأنه دوام التوتّر و عدم الاستقرار الدائم ، أضف الى ذلك سعيها نحو الإبادة الكلية أو الجزئية و إستهدافها للكورد كقومية تشكّل عليهم خطراً شديداً وفق نظرتها و آيديولوجيتها القومية العنصرية المتطرفة .
سعادة المفوّض :
هناك جملة هائلة من الاعتقالات التعسفية و الاختطافات و الاختفاءات القسرية التي تقوم بها تركيا و الفصائل بحقّ المدنيين في عفرين حيث يتم اقتيادهم الى جهات مجهولة و يمنعون أهالي المختطفين من معرفة أي معلومة عن مكان احتجازهم أو اسباب الاحتجاز أو مصيرهم ، وحسب المعلومات المسرّبة هناك حالات كثيرة من التعذيب و التصفية الجسدية داخل تلك المعتقلات .
و كما نعلم فإن الواقع ذلك و بتلك الصورة و الوصف و الحقيقة يعتبره القانون الدولي االقانون الدولي الإنساني جريمة ضد الإنسانية ، و هذا ماورد في صريح مواد الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الذي اعتمدته الجمعية العامة للامم المتحدة في قرارها ١٣٣/٤٧ تاريخ ١٨/١٢/١٩٩٢ و هو ما أكدته أيضا المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ١٧/٧/١٩٩٨ . أضف الى ذلك المواد ذات الشأن بمعاملة أسرى الحرب في اتفاقيات جنيف ١٩٤٩ .
إلى جانب جرائم الإختفاء القسري نجد أيضاً صنفاً من الجرائم و الانتهاكات الممنهجة الأبشع و الأخطر تتمثل في عمليات و جرائم التهجير القسري لسكان عفرين و ممارسات من شأنها تغيير التركيبة الديموغرافية لعفرين و نزع طابعها و خصوصيتها الكردية عنها ، حيث يتم السعي نحو ذلك بأساليب و جرائم شتى سواءً من خلال إقامة الحواجز و إغلاق المنافذ على تخوم المنطقة الادارية لعفرين او داخل عفرين ذاتها بغية منع عودة السكان و النازحين جراء الأعمال القتالية الى مساكنهم و قراهم ، و سواء أيضا عبر قيام الفصائل بطرد القاطنين من مساكنهم و إخلاء القرى و البلدات بقوة التهديد و السلاح و إحلال وافدين جدد من مختلف مناطق سوريا من المكوّن العربيو توطينهم في مساكن و أملاك أهالي عفرين ، و من الأساليب كذلك قيام سلطة الاحتلال و الفصائل و بشكلٍ مقصود خلق أجواء من انعدام الأمن و التوتر وعدم الاستقرار و فقدان سبل العيش و كل ما من شأنه دفع السكان و حضّهم على ترك سكناهم و قراهم و البحث عن واقع أفضل ، فها هي يد تركيا هذه الأيام تطال حتى البيئة و النبات و الحيوان .فتحرق الشجر و الأحراش و كل شىٍ حيّ لتجعل من عفرين ارضا غير قابلة للعيش و تُكره سكانها على الرحيل .
و بطبيعة الحال بالنسبة لما ذكرناه و الوصف ذاك فإنه يندرج يقيناً بموجب القانون الدولي الإنساني تحت الجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية و كجرائم حرب، وفق ما ورد في نظام روما الاساسي لمحكمة الجنايات الدولية ١٩٨٩ (المادة ٧/1/د و كذلك المادتين ٦، ٨ ) ، و أيضا وفق الحظر الوارد على تلك الاعمال و اعتبارها جرائم في المادة ٤٩ مز اتفاقية جنيف الرابعة لعام ١٩٤٩ .
و الإخطر على الإطلاق هو ما تمارسه تركيا من هدف ممنهج نحو تدمير كلي او جزئي لجماعة قومية هم المكوّن الكردي كما أسلفنا و بالتالي هناك جرائم إبادة جماعية على نطاقٍ واسع .
سعادة المفوُض :
لن نطيل سرد الوقائع كثيرا، و ما غايتنا من خلال ذلك الإيجاز الشديد إلا وضع سعادتكم في صورة خطورة الوضع و المأساة التي يعيشها أبناء عفرين ،و التي لا نظنها في الأصل خافيةً على أحد في ظل العولمة و وسائل الاعلام و الاتصال و التكنولوجيا ، و مع ذلك نرى و للأسف الشديد صمتا و تقاعساً و خذلاناً لا يمكن تفسيره وهو في غاية الغرابة و الريبة من الجميع إعلاماً و دولاً و مؤسسات .
لذا و من خلال كل ما سبق جئنا من خلال سعادتكم نلتمس المفوضية إدراك مدى حرج الأوضاع في عفرين و النهوض فورا بالتزاماتها و مسؤولياتها الأخلاقية قبل تلك التي تمليها عليها الواجب المهني و الأهداف التي نشأت من أجلها المفوضية .
لا شكّ بأن المفوضية تّدرك مهامها جيداً و ما يجب أن تقوم به في هكذا أوضاع و أكثر ما يهمنا القيام به بدرجة أساس هو :
أولاً – العمل فوراً على تشكيل لجنة تقصّي حقائق و إسالها الى عفرين للتحقق و التثبت من الإساءات و الإنتهاكات التي تمس القانون الدولي الإنساني و القانون الدولي لحقوق الإنسان و مصدرها ومرتكبيها من أي جهة كانت سواءً من قبل دولة الإحتلال التركي أو الفصائل المسلحة الموالية لها أو الإدارة الذاتية السابقة و أي حزب أو جماعة أو فرد كانوا سببا في معاناة الأهالي في عفرين ، و إثبات تلك اللجنة للوقائع و جمع المعلومات و تحديد هوية المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية عن الانتهاكات الجسيمة بغية تقديمهم لمحاكمات عادلة . والسماح لوسائل الصحافة و الإعلام بالتواجد في عفرين لنقل و توصيف ما يحدث هناك للعالم.
ثانياً - دعوة تركيا كدولة عضوة في المؤسسة الدولية الى احترام ميثاقها و الالتزام به عبر الوقف الفوري لانتهاكاتها و جرائمها ، هي و الفصائل الموالية لها و الانسحاب من عفرين فورا .
ثالثاً - دعوة تركيا الى الإفراج الفوري عن كافة المختفين و المختطفين لديها و لدى الفصائل السورية التابعة لها و وقف الاختفاءات القسرية و الاعتداءات الجسدية وممارسات التعذيب و كافة مظاهر العنف بحق المدنيين .
رابعا- مطالبة تركيا الالتزام بمعاملة الأسرى والمحتجزين لديها ممن شاركوا في اعمال قتالية ضدها بموجب قوانين الحرب الدولية و القانون الدولي الانساني و لا سيما مواد اتفاقيات جنيف ذات الشأن .
خامسا- مطالبة تركيا بضمان العودة السالمة و الآمنة لكافة المدنيين النازحين و المهجّرين الى منازلهم و ممتلكاتهم و وقف ممارسات الإبتزاز و الترهيب بأشكالها و تأمين الحماية و سبل و مستلزمات العيش الكريم و الخدمات للسكان ، كون كل ذلك من التزامات دولة الاحتلال بموجب ميثاق جنيف الرابع 1949.
سادسا- الوقف الفوري لعمليات التوطين للعوائل العربية داخل عفرين و إخراج المستوطنين فوراً و تأمينهم في أماكن اخرى ريثما يتمكنون من العودة الى مناطقهم الأصلية.
مع فائق التقدير و الإحترام .
هيئة العمل من أجل عفرين
مركز ليكولين للدراسات و الابحاث القانونية – المانيا
منظمة حقوق الإنسان في سوريا -MAF.
لجنة الدفاع عن حقوق الانسان -ماف
الجمعية الكوردية لحقوق الانسان - النمسا
في ..١/٨/٢٠١٨